•._.•الامــــل •._.• عضو جديد عضو الامل الجديد
الدولة : الجنس : الاحترام : عدد المساهمات : 44 تاريخ التسجيل : 18/08/2011 رقم العضويه : 15 نقاط : 130 السٌّمعَة : 0
| موضوع: معجزات الرسول الجمعة أكتوبر 14, 2011 12:49 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
المعجزة وأهميتها --------------------- قصة الاسلام ----------- من أعظم دلائل النبوة ما يؤتيه الله أنبياءه من معجزات تخرق العادات، وتعطل نواميس الكون وسننه، ويعجز عن فعلها سائر الناس؛ وذلك تأييدا لهذا الذي أكرمه الله بالنبوة أو الرسالة، وتكريما له، وشاهدا وبرهانا على صدق ما جاء به من البينات والهدىوقد أكرم الله نبيَّه بألوان متعدِّدة من المعجزات التي أجراها على يديه تأييدًا لرسالته، ودفعًا لمن شاهدها إلى التصديق بنبوَّته، وهي من الآيات الباهرة والدلالات الواضحة على صدقه ؛ وذلك لأن الله لا يُؤَيِّد الكاذبين، قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:44-47]. ولذا باء بالخزي والخسران وافتضح أمره مَنِ ادَّعى النبوَّة وهو كاذب، كمسيلمة الكذاب[1]، والأسود العَنْسِيِّ[2]، والمختار بن أبي عبيد الثقفي[3]، وميرزا غلام أحمد القادياني[4]، وغيرهم.
فمن أعظم الافتراءات على الله دعوى النبوة والرسالة كذبًا، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93]، وهذا القول من ربِّ العالمين يشمل جميع أصناف الذين يعارضون رسله الصادقين[5].
المعجزة لغة واصطلاحًا
وبادئ ذي بدء فالمعجزة لغة هي اسم فاعل من العجز الذي هو زوال القدرة عن الإتيان بالشيء من عمل أو رأي أو تدبُّر[6]، وعرَّفها ابن حمدان في الاصطلاح بأنها "جهة التحدِّي ابتداءً بحيث لا يقدر أحد عليها، ولا على مثلها، ولا على ما يقاربها"[7].
وهي في الاصطلاح: أمرٌ خارقٌ للعادة، مقرون بالتحدِّي، سالم عن المعارضة، يظهر على يد مدعي النبوة موافقًا لدعواه[8].
أهمية المعجزة وأنواعها
وفي أهمية المعجزة ومدلولها يقول الإمام الجويني: "لا دليل على صدق النبي غير المعجزة، فإن قيل: هل في المقدور نصب دليل على صدق النبي غير المعجزة؟ قلنا: ذلك غير ممكن؛ فإن ما يُقَدَّرُ دليلاً على الصدق لا يخلو إمَّا أن يكون معتادًا، وإمَّا أن يكون خارقًا للعادة، فإن كان معتادًا يستوي فيه البَرُّ والفاجر، فيستحيل كونه دليلاً، وإن كان خارقًا للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداءً من فعل الله تعالى، فإذا لم يكن بُدٌّ من تعلُّقه بالدعوى، فهو المعجزة بعينها"[9].
على أنه ثمة فرق بين المعجزة والكرامة؛ ويتمثَّل ذلك الفرق في أن الكرامة لا يدَّعي صاحبها النبوَّة، وإنما تظهر على يده لصدقه في اتِّبَاع النبي، وما كانت الكرامة لتقع لولا اعتصام من وقعت على أيديهم بالاتباع الحقِّ للنبي .
وهذا يُبَيِّنُ لنا أن شرط الكرامة للوليِّ يتمثَّل في صدق الاتباع للنبي ، لكن ليس من شرطه العصمة؛ فإن الولي قد يقع في المعصية، أما الأنبياء فقد عصمهم الله تعالى، والوليُّ يستحي من إظهار الكرامة، وإذا ظهرت نبَّه الناسَ إلى فاعلها الحقيقي وهو الله تعالى.
وهناك فرق أيضًا بين المعجزة والسحر؛ فالسحر أبعد شيء عن المعجزة أو الكرامة، وإن كان السحر أمرًا خارقًا للعادة إلاَّ أنه غير سالم من المعارضة بالمثل، فهو لا يخرج عن طاقة الإنس والجن والحيوان، كالطيران في الهواء مثلاً، بل هو أمر مقدور عليه؛ لأنه يترتَّب على أسباب إذا عرفها أحد وتعاطاها صنع مثلها أو أقوى منها، {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]. ولذلك خضع السحرة لسيدنا موسى u لأنهم -وهم أعرف الناس بالسحر- كانوا أكثر الناس يقينًا بحقيقة معجزته، وصدق نبوته، فما وسعهم أمام جلال المعجزة الإلهيَّة إلاَّ أن خرُّوا سُجَّدًا، وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: 70].
[1] مسيلمة الكذاب: هو أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي: متنبئ، من المعمرين، وفى الأمثال: "أكذب من مسيلمة". ولد ونشأ باليمامة في القرية المسمَّاة اليوم بالجبيلة، بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد، ولما ظهر الإسلام في غربي الجزيرة، وافتتح النبي مكة ودانت له العرب، جاءه وفد من بني حنيفة، قيل: كان مسيلمة معهم، إلاَّ أنه تخلَّف مع الرحال خارج مكة وهو شيخ هرم، فأسلم الوفد وذكروا للنبي مكان مسيلمة، فأمر له بمثل ما أمر به لهم، وقال: "لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا". ولما رجعوا إلى ديارهم كتب مسيلمة إلى النبي : "من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعدُ؛ فإني قد أُشْرِكْتُ في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون". فأجابه : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابِ، السَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ". وذلك في أواخر سنة 10هـ، وأكثر مسيلمة من وضع أسجاعٍ يُضَاهى بها القرآن. وقد تُوُفِّي النبي قبل القضاء على فتنته، فلما انتظم الأمر لأبي بكر t انتدب له أعظم قواده (خالد بن الوليد) على رأس جيش قوي، انتهت المعركة بينهما بظفر خالد ومقتل مسيلمة سنة 12هـ. انظر: سيرة ابن هشام 3/74، والروض الأنف للسهيلي 2/340، وتاريخ الطبري 2/399، والكامل لابن الأثير 2/137-140، وفتوح البلدان للبلاذري ص94-100، والأعلام للزركلي 7/226.
[2] الأسود العنسي: هو ذو الخمار، عيهلة بن كعب بن عوف العنسي المذحجي: متنبِّئ مشعوذ، من أهل اليمن، كان بطَّاشًا جبارًا، أسلم لما أسلمت اليمن، وارتدَّ في أيام النبي فكان أوَّل مرتدٍّ في الإسلام، وادَّعى النبوَّة، وأرى قومه أعاجيب استهواهم بها، فاتبعته مذحج، وتغلب على نجران وصنعاء، واتسع سلطانه حتى غلب على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والأحساء إلى عدن، وجاءت كتب رسول الله إلى مَن بقي على الإسلام في اليمن بالتحريض على قتله، فقتله أحدهم في خبر طويل أورده ابن الأثير، وكان مقتله قبل وفاة النبي بشهر واحد، وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر، ولكنه استطار استطارة الشرر، وتطابقت عليه اليمن ودانت له السواحل؛ حاز عثر، والشرجة، والجردة، وغلافقة، وعدن، وامتدَّ إلى الطائف. انظر: فتوح البلدان للبلاذري ص111-113، وجمهرة الأنساب ص381، والأعلام للزركلي 5/111.
[3] هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذَّاب، قال الذهبي: "أسلم في حياة النبي ولم نعلم له صحبة". وقال ابن حجر: "لا ينبغي أن يُروى عنه شيئًا لأنه ضالٌّ مضلٌّ، كان زعم أن جبرائيل u ينزل عليه". وكان قتلُه سنة 67هـ، ويقال: إنه الكذَّاب الذي أشار إليه النبي بقوله: "يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ". والحديث في صحيح مسلم. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 3/538، ولسان الميزان لابن حجر 3/8.
[4] هو أحمد بن مرتضى بن محمد القادياني الهندي (1839- 1908م)، ويسمى ميرزا غلام أحمد بن غلام، نسبته إلى (قاديان) من قرى (بنجاب) وُلِدَ ودفن فيها، قرأ شيئًا من الأدب العربي، واشتغل بعلم الكلام، وخدم الحكومة الإنجليزيَّة أيام احتلالها للهند مدَّة عمل بها كاتبًا في المحكمة الابتدائيَّة الإنجليزية بمدينة سيالكوت، ولما تم القرن الثالث عشر الهجري نعت نفسه بمجدد المائة، ثم أعلن أنه المهدي، وزاد فادَّعى أن الله أوحى إليه: "الحمد لله الذي جعلك المسيح بن مريم، أنت شيخ المسيح الذي لا يضاع وقته، كمثلك در لا يضاع...". وآمن به جمهور من الهنود على أنه نبي تابع للشريعة الإسلاميَّة، وأنه أحمد المعنيّ بآية: "وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (الصف: 6)، ووضع كتبًا بالعربية والأرديَّة، منها مما تغلب عليه العربية: (حمامة البشرى إلى أهل مكة وصلحاء أم القرى)، و(ترياق القلوب)، و(حقيقة الوحي)، و(مواهب الرحمن) سنة 1903م في قاديان، جاء فيه: "إنني امرؤ يكلمني ربي، ويعلمني من لدنه، ويُحْسِن أدبي، ويوحي إليَّ رحمة منه، فأتبع ما يوحي" ص3، و"إني أنا المسيح الموعود والإمام المنتظر المعهود، وأوحي إليَّ من الله كالأنوار الساطعة" ص29، و"هذه الحكومة حرام على كل مؤمن أن يقاومها بِنِيَّة الجهاد، وما هو جهاد بل هو أقبح أقسام الفساد" ص44. ولا يزال له أتباع إلى اليوم في الهند وباكستان، وتصدَّى كثير من معاصريه للردِّ عليه وتكفيره، منهم حسين بن محسن السبعي اليماني في كتابه (الفتح الرباني)، وأنوار الله الحيدر آبادي في (إفادة الأفهام وإزالة الأوهام)، ومحمد علي الرحماني الكانبوري في (الصحيفة الرحمانية) تسعة أجزاء، وكتب أخرى، ومما كتب الدكتور محمد إقبال: "القاديانية ثورة على نبوة محمد ، ومؤامرة ضدَّ الإسلام، وديانة مستقلَّة". وقال الزركلي: "وقال لي أحد علماء الهند: كان الإنجليز أكبر أعوان القادياني على نشر دعوته لإحداث الانشقاق في وَحدة المسلمين بالهند، وصرفهم عن التفكير في مقاومة احتلالهم لبلادهم". مختصر من الأعلام 1/256. ------------------------------------------------------------------------------- أنواع المعجزات- -- ----------------- إنَّ المعجزات تتعدَّد وتتنوَّع، وبصفة عامَّة تنقسم إلى قسمين: الأول المعجزات العقليَّة، وهي ما يؤكِّد علماء الأصول أنها المعجزة التي اخْتُصَّ بها سيدنا محمد ، وهي معجزة القرآن. والقسم الثاني المعجزات الحسيَّة، كمعجزات موسى u (العصا واليد)، ومعجزة عيسى u (إحياء الموتى، وإشفاء الأبرص)، وغيرها، وهذا النوع من المعجزة يبقى محصورًا عند مَن شاهدها أو عند مَن تناقل إليه الخبر بطريق متواتر يُجْزِم بعدم إمكان الشكِّ فيه.
وقد جرت سُنَّة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي مشاكلة لما يُتْقِنُ قومه ويتفوَّقون فيه، ولما كان العرب قوم بيان ولسان وبلاغة، كانت معجزة النبي الكبرى هي: القرآن الكريم، وهي "معجزة عقليَّة أدبيَّة لا حسيَّة مادِّيَّة؛ وذلك لتكون أليق بالبشريَّة بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها، ولتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة؛ فالمعجزات الحسيَّة تنتهي بمجرَّد وقوعها، أما العقليَّة فتبقى"[1].
وإضافة إلى هذه المعجزة الكبرى فإن الله أكرم نبيَّه بآيات كونيَّة جمة، وخوارق ومعجزات حسيَّة عديدة، ولكن لم يقصد بها التحدي، أي إقامة الحجة بها على صدق نبوته ورسالته ، بل كانت تكريمًا من الله تعالى له، أو رحمةً منه تعالى به، وتأييدًا له، وعناية به وبمن آمن معه في الشدائد؛ إذ إن هذه الخوارق لم تحْدُث استجابة لطلب الكافرين، بل رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين[2].
ومن ذلك مثلاً الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابع النبي ، ونزول الملائكة تثبيتًا ونصرة للذين آمنوا في غزوة بدر، وإنزال الأمطار لإسقائهم فيها وتطهيرهم وتثبيت أقدامهم، على حين لم يُصب المشركين من ذلك شيء وهم بالقرب منهم، وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم الهجرة، رغم وصول المشركين إليه، حتى لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما، وإشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة الأحزاب، وفي غزوة تبوك، وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.
-------------------------- 1-منكرو المعجزات الحسيَّة ومن شأن هذه المعجزات -كما أشرنا- أن تَزِيد المؤمن إيمانًا، والمكذِّب بها يزداد حيرةً وضلالاً، كما قال تعالى في المكذبين: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15].
وإذا كان عموم المؤمنين يُصدِّقون بآيات الأنبياء والمرسلين، فإن قومًا لعبت بهم الأهواء، فقدَّموا عقولهم وآراءهم على الثابت في الكتاب وفي سُنَّة خير العباد ، وزعموا أنه لا توجد معجزات حسيَّة ثابتة للنبي ، وفي هذا يقول أحدهم: "المعجزات السابقة كانت مناسبة لظروف النبي وقومه، أي كانت حسيَّة محلِّيَّة تنتهي بنهاية القوم الذين يطلبونها من الرسول، ثم يُصاحبها إهلاك القوم ومجيء رسول آخر؛ تتجدَّد معه نفس القصة إلى أن خُتِمَت النبوة بالرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام؛ ولأن الرسول بشر كجميع البشر محكوم عليه بالموت، ولأن رسالته يجب أن تبقى فلا بُدَّ أن تكون معجزته على نفس المستوى، أي معجزة عقليَّة عالميَّة مستمرَّة إلى قيام الساعة. وهكذا فعالم الخوارق والمعجزات الحسيَّة قد انتهى بإنزال القرآن كمعجزة عقليَّة يتحدَّى بها الله تعالى كل عصر بخصائصه، تحدى به العرب بالفصاحة، ويتحدى به القرن العشرين بعلمه ومكتشفاته، وفي النهاية فإن المعجزات قد انتهى عصرها بالنبي الخاتم حيث دخلت البشريَّة في عهد جديد ارتقى فيه العقل البشري"[3]
وقد استدل هؤلاء بقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
والحقيقة أنه ليس في الآية حجة على نفي المعجزات الحسيَّة، ولم يَقُلْ بذلك أحد من أهل العلم أصلاً، والناظر في كتب التفسير يعرف ذلك؛ يقول ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: "يقول تعالى ذكره: وما مَنَعَنَا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك إلاَّ أنَّ مَنْ كان قبلهم من الأمم المكذِّبة سألوا ذلك مثل سؤالهم، فلما أتاهم ما سألوا عنه كذَّبوا رسلهم، فلم يُصَدِّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا، فلم نُرسل إلى قومك بالآيات، لأنَّا لو أرسلنا بها إليهم فكذَّبوا بها سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلهم". ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قوله: "سأل أهل مكة النبي أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم؛ لعلنا نجتني منهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أُهلكوا كما أُهلك مَن قَبْلَهم. قال: بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ. فأنزل الله: "وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً"[4].
كما قال الشوكاني في تفسيرها: "والمعنى: وما مَنَعَنَا من إرسال الآيات التي سألوها إلاَّ تكذيب الأولين، فإن أرسلناها وكُذِّب بها هؤلاء عوجلوا ولم يُمْهَلوا كما هو سُنَّة الله سبحانه في عباده... والحاصل أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكُلِّي وهو الاستئصال، وقد عزمنا على أن نُؤَخِّر أمر مَن بُعِثَ إليهم محمد إلى يوم القيامة"[5].
كما استدلَّ الذين ينفون المعجزات الحسيَّة بحديث الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي قال: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[6].
والحقيقة أيضًا أن هذا الاستدلال ليس في محله؛ يؤكِّد ذلك قول ابن حجر في معنى قول النبي : "وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ": "أي إنَّ معجزتي التي تحدَّيت بها الوحيُ الذي أُنزل عليَّ وهو القرآن؛ لِمَا اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يُؤْتَ من المعجزات ما أُوتِي مَنْ تقدَّمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اخْتُصَّ بها دون غيره؛ لأن كلَّ نبي أُعْطِيَ معجزة خاصَّة به لم يُعْطَهَا بعينها غيرُه، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسِبة لحال قومه"[7].
وإذا ما تأكَّد لنا ذلك، وأن الله أكرم نبيَّه بآيات ومعجزات حسيَّة؛ حُجَّة على صدق نبوَّته ورسالته ، ورحمة من الله تعالى به وتأييدًا له، وعناية به -كما أشرنا من قَبْلُ- وبمن آمن معه في الشدائد؛ فإنَّا نخوض في هذه المعجزات ونُبَيِّنُها ونُعَدِّدها، تلك التي اعتمدتْ أساسًا على خرق ما اعتاد الناس عليه وأَلِفُوه. -------------------------------------------------------------
------------------------------ بعض العلماء هذه المعجزات فزادت على ألف معجزة، يقول ابن حجر: "وَذَكَرَ النَّوويُّ في مقدِّمة شرح مُسْلِم أَنَّ مُعْجِزَات النَّبِيِّ تَزِيد على ألف ومائتين، وقال البيهقيُّ في (المدخل): بلغت ألفًا.
2-معجزات الرسول الحسيَّة. وَقَالَ الزَّاهديُّ من الحنفيَّة: ظهر على يديه ألف معجزة. وقيل: ثلاثة آلاف. وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمَّة، كأبي نُعَيْم والبيهقيِّ وغيرهما"[8].
يقول البيهقي: "ودلائل النبوَّة كثيرة، والأخبار بظهور المعجزات ناطقة، وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة، ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى؛ لأن كل شيء منها مُشَاكِل لصاحبه في أنه أمر معجز للخواطر، ناقض للعادات"[9], ومعجزاته تزيد على ألف معجزة"[10].. ويقول ابن تيمية: "كان يأتيهم بالآيات الدالَّة على نبوته
كما قال ابن القيم بعد أن عدَّد معجزات موسى وعيسى عليهما السلام: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتُّت شمل أُمَّتَيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظنُّ بنبوة محمد , ومعجزاته وآياته تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونَقْلُها ثابت بالتواتر قرنًا بعد قرن!"[11].
فلقد أيَّد الله نبيَّه محمدًا بالمعجزات الحسيَّة الكثيرة الدالة على نبوته، ورأى مشركو مكة الكثير منها، لكنهم لم يؤمنوا ولم يُذعِنُوا للحقِّ، بل طلبوا -على سبيل العناد والاستكبار- المزيد من الآيات، وقالوا: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً} [الإسراء: 90- 93]. --------------------------------------------------------------------------------
---------------- وهو نوع من معجزاته الحسِّيَّة غير ما سبق، فقد ثبت عنه الإنباء بمُغَيَّبَات كثيرة، بعضها وقعت في حياته، وبعضها بعد وفاته؛ فعن حذيفة t قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ"[12].
3-المعجزات غيبية ولقد كان من هذا القبيل نعيه النجاشي وهو في الحبشة؛ فعن أبي هريرة t أنَّ رسول الله نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ[13].
يقول النووي: "وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله ؛ لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه"[14].
وكان منه أيضًا إخباره بفتح بلاد اليمن، وبُصرى، وفارس، وإخباره بفتح القسطنطينية، وظهور الأمن حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلاَّ الله، وأن المدينة ستغزى ويفتح خيبر على يد عليٍّ في غد يومه، وما يفتح الله على أُمَّته من الدنيا ويؤْتَوْنَ من زهرتها، وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر، وكذلك قوله لعمَّار: "تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". وقوله عن الحسن: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". وغير ذلك الكثير، وإن هذا يُغْنِينَا عن الإطالة في السرد، وحَسْبُنَا ما ذكرناه.
----------------- 4-المعجزات طبِّيَّة فقد كان من معجزاته أيضًا إبراء المرضى وذوي العاهات، ومما جاء في ذلك أنه أصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردَّها ، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما.
قال قتادة: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَوْسٌ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ سِنَّتِهَا، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ أَلْقَى السِّهَامَ بِوَجْهِي، كُلَّمَا مَالَ سَهْمٌ مِنْهَا إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ مَيَّلْتُ رَأْسِي لأَقِيَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ بِلا رَمْيٍ أَرْمِيَهِ، فَكَانَ آخِرُهَا سَهْمًا بَدَرَتْ مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا فِي كَفِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي كَفِّي دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ قَتَادَةَ قَدْ أَوْجَهَ نَبِيَّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ، وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا". فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا[15].
ومن هذا القبيل أيضًا: مسُّ رأس أبي زيد الأنصاري فلم يخالطه شيب، وإبراء الطِّفْلِ الذي كان لا يفيق منذ ولد، وردُّ بصر الأعمى بدعاء علَّمه إيَّاه... وغير ذلك كثير، مما يعجز القلم عن عدِّه وتسطيره.
وعلى هذا فالمعجزات الحسية لرسول الله كثيرة وعظيمة، وقد شملت جميع نواحي الحياة، ولم تنحصر في جانب أو ناحية واحدة منها؛ لتُبَرْهِنَ أخيرًا على تكريم الله لرسوله ، وتأييده له، وعنايته به وبمن آمن معه في الشدائد، وأيضًا لدفع مَنْ يُشاهدها إلى التصديق بنبوَّته ورساله. | |
|